وجوب إعفاء اللحية وحرمة حلقها
الشيخ ابو اسحاق الحويني
الشيخ ابو اسحاق الحويني
السؤال : أنا شاب التزمت قريباً ، وأطلقت لحيتي ، وطال جدال بيني وبين والدي وإخوتي
فهم يقولون : اللحية لا ضرورة لها الآن ، وأهم شيء القلب
ويقولون لي : ليست اللحية واجبة ، وليس عندي من المعلومات الشيء الكثير لمناقشتهم
فأرجو أن تفصل هذا الأمر ؛ لأنه مهم جداً بالنسبة لي حتى أقنعهم ؟
الجواب :
الحقيقية أن الذي يزعجني قول بعض الناس للذي يطلق لحيته ، مثلاً :
هل صنعت كل شيء من الواجبات فما بقي إلا اللحية ؟!
فيهونون عليه هذا الحكم .
إذا نظرنا إلى الدين بهذه الصورة فلن يفعل أحد قط شيئاً من الخير ،
فمثلاً : سرت في الشارع ووجدت زجاجة مكسورة يمكن أن تجرح إنساناً ما، فأخذتها ووضعتها بجانب الطريق
فيأتيني رجل يقول لي : هل فعلت كل شيء إلا حمل الزجاجة من على الأرض ؟ هل يستقيم هذا الكلام ؟!
وهل العبادات بعضها مترتب على بعض بحيث إذا لم تفعل هذه لا يحل لك أن تفعل الأخرى ؟!
بل الرسول عليه الصلاة والسلام يقول - كما في الصحيحين - :
( إن امرأة بغياً من بني إسرائيل - بغياً : أي : تتاجر بعرضها - رأت غصن شوك من على الأرض
فحملته فنحته جانباً ، فشكر الله لها ؛ فغفر لها ) .
أنت لا تدري ما يقبل من عملك ؛ لذلك لا تكف عن فعل الخير أبداً
الزجاجة التي تحملها عن الأرض لعل الله عز وجل يكفر عنك ذنوبك كلها بهذه الزجاجة
فهذه الزجاجة قد تكون عند الله عز وجل أفضل من قيامك وصيامك ، وأنت لا تدري
وهذا ليس تهويناً للصيام والقيام ، هل أنت تتصور أنه ورد لك في النصوص - إذا لم تكن تعلم هذا النص -
أن غصن شوك يسقط ذنب امرأة تاجرت بعرضها ، وزنت وغصن شوك يسقط كل هذه الجرائم من على أكتافها ..؟!
أنت لا علم عندك علم بالذي يتقبل من أعمالك ، أحياناً قد تعمل عملاً وتتصور أنه أجل عمل عملته ولا تؤجر عليه
وتعمل عملاً آخر وليس عندك اهتمام كبير به فالله عز وجل يغفر لك به ..!
اللحية ليست كما يظن كثير من الناس أنها مستحبة، بل هي واجبة، والفرض والواجب عند جماهير العلماء واحد.
لماذا هو فرض ؟
نقول : إن الأوامر ثلاثة أقسام : الواجب ، والمستحب ، والمباح .
والمباح : يعتبر أمراً من جهة الصيغة - وهناك خلاف بين العلماء هل المباح أمر أم لا -
كأن أتكلم على جهة الصيغة الآن ..
فالأوامر إما أن تكون من الأعلى للأسفل ، أو من الأسفل للأعلى ، أو من النظير للنظير .
فالأوامر من الأعلى للأسفل تفيد الإلزام
ومن الأسفل للأعلى تفيد التوسل والرجاء
والنظير للنظير تفيد الطلب
فإذا قال الله عز وجل لنا : وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [ النور : 31 ]
( تب ) : فعل أمر من أعلى ، أي : لا خيار لك في الترك ، لابد أن تفعل
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اتق الله حيث ما كنت ) فعل أمر ، يبقى هذا يفيد الإلزام .
مثال الأمر من أسفل للأعلى : أنت تقول : رَبِّ اغْفِرْ لِي
( اغفر ) : فعل أمر ، لكن هل أنت تأمره ؟ لا، أنت تتوسل إليه .
والأمر من النظير للنظير : أقران .. أنداد ..
فأحدهم يقول للآخر : افعل كذا .. هذا على سبيل الطلب وليس على سبيل الإلزام .
هذه حقيقة الأمر !
فالعلماء يقولون: الأمر المجرد عن القرائن يفيد الوجوب إلا أن تأتي قرينة تصرفه عن الوجوب
والرسول عليه الصلاة والسلام قال :
( اعفوا اللحى ) ( ارخوا اللحى ) ( وفروا اللحى ) وفي لفظ آخر : ( ارجوا اللحى ) .
أما ( اعفوا ) فهو من تمام الترك ، تترك اللحية حتى تكثر
كما قال الله عز وجل : ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا [ الأعراف : 95 ] ، ( حتى عفوا ) : أي كثروا .
و ( ارجوا اللحى ) : من قول الله عز وجل : وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ [ التوبة : 106 ]
أي : متروكون ، أي : أتركوها ، و ( فروا اللحى ) : من التوفير .
فكل هذه الأوامر معناها : تمام الترك .
والقرينة التي تصرف هذه الأوامر مثل أن يأتي رجل قد حلق لحيته إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فيرحب به النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه ، وهذه قرينة تدل على أن الأمر لا يفيد الوجوب
لأنه لو كان واجباً لكان النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليه ، وقال له : لماذا حلقت لحيتك، فإن اللحية فرض ؟
أما إذا لم ينكر عليه وهو لا يقر على الباطل
إذاً : هذا يدل على أن اللحية ليست واجبة ، وإنما هي مستحبة ، إذا فعلتها تثاب عليها وإذا لم تفعلها لا تعاقب .
فهل ثبت أن أحداً من الصحابة حلق لحيته فسكت النبي صلى الله عليه وسلم عنه ؟
الجواب : لا، أبداً .
هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حلق لحيته ؟
لا. لم يثبت شيء من هذا إطلاقاً .
والعلماء يقولون : يبقى الأمر على حالته الأولى ، وهو أنه يفيد الوجوب .
فالنبي عليه الصلاة والسلام عندما يقول : ( اعفوا اللحى وقصوا الشارب، وخالفوا اليهود والنصارى)
ولكن هنا شبهة سمعتها من أستاذ في قسم الحديث ، عندما كانوا يستقدمونه في ندوة عن الرأي التي كان
يرد فيها على الشباب ، فقال : بل لو قلت : إن حلق اللحية هو السنة لما أبعدت .
لماذا يا فلان ؟
قال : لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (خالفوا اليهود والنصارى )
والقساوسة والحاخامات ملتحون مربون لحاهم ، فالمفروض أنا حتى أخالف هؤلاء أحلق لحيتي .
فهل هذا الكلام صحيح ؟
لا؛ لأن لفظ اليهود والنصارى اسم جنس محلى بالألف واللام يشمل جميع اليهود والنصارى
والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل : وخالفوا القساوسة والحاخامات ، إنما قال : ( خالفوا اليهود والنصارى ) .
فالنصارى الموجودون أكثر من مليار مثلاً
واليهود الموجودون افترض أن عددهم خمسة عشر مليون يهودي على وجه الأرض .
كم واحد ملتحٍ في النصارى ؟
لا تكاد تجد نصرانياً يعفي لحيته إلا القسيسون الكبار ، فأنت لو وجدت قساً شاباً أعفى لحيته
اعرف أن هذا متعصب لدينه جداً ، لأن اللحية غير معروفة في القسيسين أنفسهم إلا في كبار السن .
ولو سلمنا أن كل القسيسين أعفوا لحاهم كم تكون نسبتهم إلى العدد الكلي ؟
لا يشكلون أية نسبة مئوية مذكورة
يبقى هل لا يزال النصارى يحلقون لحاهم أم لا ؟
الجواب : نعم لازالوا .
لازال اليهود يحلقون لحاهم أم لا ؟ نعم لازالوا
لأن هذا اسم جنس يشمل كل يهودي على وجه الأرض ، ويشمل كل نصراني على وجه الأرض .
ولو سلمنا أن كل النصارى على وجه الأرض أعفوا لحاهم ، وكذلك كل اليهود أعفوا لحاهم ، فما موقفنا ؟
هل نحلق لحانا مخالفة لهم عندما أجمعوا جميعاً على إعفاء اللحية ؟
الجواب :
لا، لأن إعفاء اللحية من سنن الفطرة ، التي هي القدر المشترك في كل دين لا يتغير :
( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) [ الروم : 30 ]
فالفطرة هي جملة من الأوامر الثابتة التي لا تتغير من شريعة إلى شريعة ، ولا من قول إلى قول .
فهم إذا تركوا لحاهم فلم يحلقوها فقد سلمت فطرتهم في هذه الجزئية
ونحن أيضاً مأمورون أن لا نحلق لحانا .. لماذا ؟
لأنها من سنن الفطرة كما في صحيح مسلم رحمه الله .
إذاً : على أي محور لا يحل لمسلم أن يحلق لحيته ، أضف إلى ذلك أن اللحية هي شعار المسلم الظاهر
فأنت عندما تمشي في الشارع هل تستطيع أن تميز بين المسلم وغير المسلم ؟
لا تستطيع ، اختلطت الأزياء والأشكال ، حتى ذاب المسلم في وسط الكافر .
اللحية إعلان للهوية ، أضف إلى ذلك أن غياب اللحية أضاع علينا أحكاماً أخرى مرتبطة باللحية .
يا إخواننا !
هذه راية أنت ترفعها ، لاسيما في زمان الغربة ، قال صلى الله عليه وسلم : ( العبادة في الهرج كهجرة إلي )
فأنت إذا عبدت الله عز وجل في زمان الفتنة ، ورفعت رايتك هذه مع كثرة المخالفين لك
تبتغي نصر الله ورسوله في زمان الغربة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إن الإسلام بدأ غريباً ، وسيعود غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء ) ، وطوبى : شجرة في الجنة
قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها :
( إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، يمشي الجواد المضمر المسرع في ظلها مائة عام لا يقطعها )
مائة سنة يمشي الجواد المضمر الذي ليس له بطن بأقصى سرعة ، يظل مائة عام يجري في ظلها لا يقطعها.
إن الدنيا ساعة فاجعلها طاعة ، الدنيا خطوة رجل مؤمن
فلا تفرط إذا خيرت أن تنحاز إلى الله ورسوله ، فانحاز إلى الله ورسوله ، ولن تندم أبداً .
اللحية فرض واجب ، وحلقها إثم باتفاق العلماء جميعاً ، العلماء المشتهرون جميعاً أفتوا بوجوب إعفاء اللحية
وكذلك مضى جماهير أصحابهم ، ولم يحدث هذا القول بأن اللحية مستحبة إلا بعض المتأخرين
لكن العلماء المتقدمين لا يوجد أثارة من علم عن واحد منهم أنه كان يرخص في حلق اللحية
أو يقول : إن اللحية مستحبة .. والله أعلم .