قال ابن بطوطة في رحلته المسمّاة " تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار " * :
حدثني الثقات من أهلها كالفقيه عيسى اليمني، والفقيه المعلم علي، والقاضي عبد الله وجماعة سواهم :
أن أهل هذه الجزر كانوا كفاراً ، وكان يظهر لهم في كل شهر عفريت من الجن ، يأتي ناحية البحر ، كأنه مركب مملوء بالقناديل .
وكانت عادتهم إذا رأوه ، أخذوا جارية بكرأ فزينوها وأدخلوها إلى بدخانة ( وهي بيت الأصنام ) وكان مبنياً على ضفة البحر
وله طاق ينظر إليه ، ويتركونها هنالك ليلة ثم يأتون عند الصباح فيجدونها مفتضة ميتة .
ولا يزالون في كل شهر يقترعون بينهم ، فمن أصابته القرعة أعطى بنته .
ثم إنهم قدم عليهم مغربي يسمى بـ ( أبي البركات البربري ) وكان حافظاُ للقرآن العظيم فنزل بدار عجوز منهم بجزيرة المهل
فدخل عليها يوماً ، وقد جمعت أهلها ، وهن يبكين كأنهن في مأتم . فاستفهمهن عن شأنهن ، فلم يفهمنه .
فأتى ترجمان فأخبره أن العجوز كانت القرعة عليها ، وليس لها إلا بنت واحدة ، يقتلها العفريت .
فقال لها أبو البركات : أنا أتوجه عوضاً من بنتك بالليل وكان سناطاً - لا لحية له - فاحتملوه تلك الليلة ، وأدخلوه إلى بدخانة
وهو متوضئ وأقام يتلو القرآن ، ثم ظهر له العفريت من الطاق ، فداوم التلاوة فلما كان منه بحيث يسمع القراءة غاص في البحر
وأصبح المغربي ، وهو يتلو على حاله ..!
فجاءت العجوز وأهلها وأهل الجزيرة ، ليستخرجوا البنت على عادتهم فيحرقوها ، فوجدوا المغربي يتلو ، فمضوا به إلى ملكهم
وكان يسمى شنورازة - بفتح الشين المعجمة وضم النون وواو وراء والف وزاي وهاء - وأعلموه بخبر المغربي !
فتعجب الملك من أمره ، وعرض المغربي عليه الإسلام ، ورغبه فيه.
فقال له أقم عندنا إلى الشهر الآخر ، فإن فعلت كفعلك ، ونجوت من العفريت أسلمت .
فأقام عندهم . وشرح الله صدر الملك للإسلام فأسلم قبل تمام الشهر ، وأسلم أهله وأولاده وأهل دولته
ثم حمل المغربي لما دخل الشهر إلى بدخانة ، ولم يأت العفريت ، فجعل يتلو حتى الصباح . وجاء السلطان والناس معه
فوجدوه على حاله من التلاوة ، فكسروا الأصنام ، وهدموا بدخانة ، وأسلم أهل الجزيرة ، وبعثوا إلى سائر الجزر فأسلم أهلها .
وأقام المغربي عندهم معظماً ، وتمذهبوا بمذهبه مذهب الإمام مالك رضي الله عنه .
وهم إلى هذا العهد يعظمون المغاربة بسببه ، وبنى مسجداً هو معروف باسمه
وقرأت على مقصورة الجامع منقوشاً في الخشب (( أسلم السلطان أحمد شنورازة على يد أبي البركات البربري المغربي )) .
وجعل ذلك السلطان ثلث جباية هذه الجزر صدقة على أبناء السبيل، إذ كان إسلامه بسببهم.
__________________________________________________________________________________________
* ابن بطوطلة : رحالة مسلم ( توفي بين 770 و 790 هـ ) ، النص من ( ص 261 / ط . الشركة العالمية للكتاب )